الاحد: 18 ديسمبر 2011م
جرحى ومعاقي الثورة اليمنية السلمية .. جراحٌ نازفة وصورةٌ تُجسد المعاناة الإنسانية بكل تفاصيلها، فلا تكفي التقارير ولا حتى لقاءات في الفضائيات، فالألم أكبر والحاجة أعظم والصورة أبلغ من مجرد الكلمات، يعيشون هذه الأثناء في مأساة إنسانية بمنازلهم وعلى أسررتهم في المستشفيات ،على معاناة عدد من الجرحى والمعاقين وغيرهم كثيرون آملا من الله تعالى لهم الشفاء العاجل، وأن يسمع الخيرين في المجتمع اليمني لأناتهم الصامتة خلف الجدران، وأن لا تضيع معاناتهم ودماءهم الزكية وسط الزحام والزخم الثوري والسياسي .
أعداد الشهداء والجرحى التي خلفت المئات من الأيتام والأرامل ومبتوري الأطراف مما يفاقم المأساة، حيث مارس بقايا النظام العائلي آلته في حربَ الإبادة باستخدامه الطائرات والصواريخ والقذائف على أبناء الشعب اليمني المسالم التي ذهب ضحيتها آلافُ المدنيين الأبرياء بشكل يومي حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية .. ولا زال حقدهم مستمر .
تتفحص وتتلمس أمور الجرحى ستجد معاناة تجر معها معاناة ولا شيء يجثم على صدورهم غير المعاناة والألم ...
432 مصاب بإعاقات دائمة
كشفت إحصائية حديثه صادرة عن المشفى الميداني في ساحة التغيير بصنعاء أن عدد المصابين بإعاقات دائمة يربو على 432 معاق منهم 300 إصابة في محافظه تعز.
ووفقا للإحصائية فان عدد المصابين بإعاقات جزئيه حتى الآن 432 حاله، تنوعت الاعاقات بين شلل نصفي ورباعي وإعاقة دائمة نتيجة الإصابة بإطلاق رصاص أو قذيفة استقرت في مناطق حساسة في العمود الفقري للدماغ .
ومن خلال زيارتنا للجرحى مع مؤسسه أسر الشهداء والجرحى رأينا المعاناة التي يتحملها المعاقين كما ذكرنا سابقا، لا يمكن وصفها وهذا الذي رأيته وشعرت به عندما وجدت العديد من الجرحى المعاقين والذين يعانون ألم وأحزان ومضاعفات أسريه وأخرى نفسيه رغم كل تلك الجروح والأوجاع إلا أن أكثرهم يحملون العزيمة والإرادة .
الشهيد الحي : جابر المندليق
وفي لقائنا بعدة جرحى ومنهم جريح جمعة الكرامة "جابر المندليق" كان بذلك الجسد النحيل ينتظر فحصه في المشفى الميداني بعد رحلة طويلة من العلاج والمعاناة .
يروي لنا جابر بعض معاناته حيث قال : ظللت ثلاثة أشهر وشهرين في السعودية على مغذيات وأدوية لا أحرك شيء من جسدي، وعندما رجعت إلى بيتي معاناة أخرى لا استطيع النوم لحاله التكهرب التي تصيبني، ولا استطيع ليالي كثيرة النوم، إضافة للترسبات التي لدي بسبب عدم التحرك .. أعيش على الأمل وإن شاء الله الشفاء، فانا خرجت على مبدءا وهدف ولن يخذلني الله أبدا، صحيح أن هناك معاناة طويلة ولكن ما خرجنا لأجله يستحق كل هذه التضحيات ... انتهى كلامه .
وكنت أراقب والده وهو ينظر إلى جابر بحنان وألم فطلبت منه الكلام فقال لي : ولدي جابر من أفضل أبنائي وأنشطهم حفظ القرآن ومضى يعلم الأطفال في القرى كتاب الله تعالى، وعندما بدأت الثورة السلمية انضم إليهم، ويوم المجزرة لم نصدق انه سيعيش لشده الإصابة التي كانت على جسده لدرجه أن الأطباء أطلقوا عليه لقب " الشهيد الحي" ، عانى جابر كثيرا من الألم والعلاج وذهب للسعودية لعمل عمليه ربط الأعصاب، والحمد لله تحسن قليلا وظل فترة شهران في المنزل يحرك بعض أجزاءه التي فقدت الحركة، والآن مستمرين في علاجه رغم الظروف الصعبة، فليس لجابر أي دخل مالي، وأملنا في أهل الخير كبير ..
طلبنا من جابر شرح ظروفه إلا أن الخجل منعه ولم يفتر في أن يحمد الله في كل وقت، وطلب إلينا أن نقول للشباب أن يصمدوا حتى يتحقق كل مطالب الشعب وأن يستمر الوفاء لدم الشهداء والجرحى .
انتقلنا إلى منزل "مصطفى العريفي" ذو 18 عاما والذي أصيب في مجزره الملعب برصاصه في رأسه أدى إلى شلل في أجزاء جسده، عندما شاهدته على السرير وبضحكته البريئة أرجعني شريط الذكريات وهو داخل غرفة العناية وهو بين الحياة والموت، كنت أجزم حينها أنه لن ترى عيناه النور ثانيه، فقد كان الموت أقرب له من الحياة .
سألته عن حاله فأجابني بضحكته تلك وقال بلسان مثقل : الحمد لله، قلت له : إن شفيت، قال : سأرجع إلى الساحة .
يقول أخيه محمد : عانى مصطفى كثيرا ولا يزال يعاني حتى إننا تركنا العمل وجلسنا بجانبه لأنه لا يستطيع الحركة، إضافة إلى ذلك معاناة الأسرة النفسية والمادية، ولكن نحمد الله أنه الآن يتحسن، ولو أن الأطباء يقولون أنه سيتحرك بصعوبة ويمارس حياته .
أمه والتي كانت تبكي بحرقه داخل غرفه العناية ولا تزال أثر دموعها إلى اليوم على وجنتيها وهي ترى فلذة كبدها مقعد على السرير، تقول باكيه : هذا قدر الله، ونسأل الله أن ينتقم لأبنائنا من رأس الفساد ورموز نظامه العائلي وأن نرى يوم يحاكم السفاح على جرائمه .
رمزي سيف منصر ... بين أربعة جدران
توجهنا إلى مشفى الكويت بصنعاء لرؤية الشاب "رمزي سيف منصر" عندما ولوجنا غرفته أصابتنا الدهشة والألم رأينا أن جسده المتيبس لا يتحرك غير أنفاس ضعيفة ونظرات معلقة في السقف لا يدرك ولا يشعر بشيء من بجواره، وقفت أمامه أحرك يدي أمام نظريه فلم يتحرك، سألته عن حالته فكان الصمت .
فقال لي أخوه المرافق له منذ شهور: لن يسمعك !! وهو هكذا منذ إصابته في تعز بشارع جمال، أطلق الحرس رصاص معدل على رأسه فتقطع جزء كبير من الدماغ، ومع هذا عاش وسيظل هكذا طول حياته نأمل بسفره للخارج ربما يستعيد بعض جسده المشلول" وأشار إلى مكان الإصابة فتسعة أعيينا ألما لقد كانت فتحته عميقة في رأسه وجزء من عظام الجمجمة لم يعد موجود .
يتابع أخوه : لنا هنا منذ شهور بجانبه نقلب جسده شبه الميت، وأمه تحترق في قريتنا لا تستطيع حتى رؤيته، والحالة المادية صعبه جدا حتى نفي بعلاجه وسفره، ولكن على الأقل نعيش بقليل من أمل على أن يتكلم ويتحرك ثانية، وأضاف ساخرا عن دولة الفساد التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة .
الشاب ابراهيم الرمادي .. معاناة وألم في المشفى
ودعنا رمزي مثقلين بهموم وأحزان، وتكررت نفس المعاناة مع الشاب "إبراهيم الرمادي" في مشفى العلوم لم أتبين ملامح إنسان تحت غطائه فقد اعتقدت لوهلة بعدم وجود جسد تحتها فقد ضمرت أطرافه ونحل جسده فرفع قريبه الغطاء فالتصقت أعيينا برأسه الذي كانت فيه نفس إصابة رمزي، هوة عميقة بالرأس أدت إلى الشلل، اقتربنا منه نحدثه وبمجرد ما شعر بشيء يلامس أصابعه امسك بطرف خماري فأسرع قريبه يمسك يديه بقوه كأنه يقول له نحن موجودون، كلمة واحدة كان يقولها عندما نسأله عن حاله، يقول : الحمد لله .
يقول قريبه : أصيب إبراهيم في مدينه صوفان برصاص معدل ظل فترة شهرين في العناية، والآن مشلول، لما رأته والدته ظلت ثلاثة أيام في غيبوبة من شده حزنها عليه، إبراهيم من أول الشباب المعتصمين في الساحة وكان يأمل أن لا يخرج منها حتى يرى نجاح الثورة ، لا يوجد لأسرته أي دخل مالي سوى العمل في الزراعة في منطقه نهم من قبل أخيه الأكبر ليوفر لهم القوت الضروري للحياة ، أما والده فرجل كبير .
وأضاف قريبه : وإبراهيم الآن عاجز ويحتاج إلى السفر للعلاج حتى تتحسن حالته ويستطيع على الأقل التحرك.
مره أخرى ودعنا إبراهيم وعيناه لا ترانا وتنظر نحو المجهول ...
المسن علي الخضمي .. مؤذن الجرحى
في نزولنا الثاني للجرحى المعاقين في المشفى الميداني والعلوم وجدنا شيخ الجرحى "على الخضمي" والذي أصيب في مذبحه القاع برصاص معدل تسببت في قطع رجله .
حديث طويل دار بيننا عن مجزره القاع وأحداثها المؤلمة، وعندما وقفنا لسؤاله عن شعوره وأسرته بهذه الإعاقة أحمرت عيناه بالدموع، وقال : هذا قدر الله، ونحن راضون به، حزن أهلي علي ولكن هذذا ثمن الحرية .
وعن حاله قال : كنت أبيع بعض العطور وأعمل قيم مسجد واصلي بالناس، وأثناء حديثنا رأيت مكبر صوتا بجانبه فسألته عنه، فقال لي : أنه يؤذن بالجرحى والمعاقين في كل صلاة وينتقلون بجروحهم المثخنة في صرح مسجد المشفى للصلاة قاعدين .
المسن عبده البحري : الجروح هي أوسمه على أجسادنا من أجل اليمن
وفي زاوية أخرى كان الشيخ المسن "عبده البحري" ممدا على ظهره يحرك يديه فقط ، سألته عن إصابته، فذكر لي أنه من ضحايا مجزره القاع، وأطلق "البلاطجة" النار عليه فأصابت عموده الفقري وأصابته بشلل نصفي .
وعن معاناته يقول : أخوتي اضطروا لترك أعمالهم والجلوس بجانبي وتقليبي على كل الجهات، و"الحمد لله على كل حال" فنحن ما خسرناه أكثر قبل الثورة من الكرامة والحرية، حتى حقوقنا أكلوها فأنا صاحب عربية أبيع فيها ما قسم الله، فلم أكن أسلم من ملحقات السلطات يوميا، وكل مرة يأخذون المال والعربات ويرموننا في الشارع ويصادرون حقوقنا، وهذه الجروح هي أوسمه على أجسادنا من اجل اليمن .
الجريح شرف الأهدل يسألوه صغاره متى يخرج معهم
جريح آخر "شرف الأهدل" وضع على جسده وسام الثورة كغيره ممن ضحوا بأرواحهم، عندما زرناه إلى منزله كان على سريره يلتصق به أحد أبنائه الصغار، قابلنا بنفس الروح الثورية التي يتحلى بها جرحى الثورة.
يقول : هذه الثورة قلبت الموازين وأعادت القيم والكرامة للشعب اليمني، وهذا ما خرجنا له وبالنسبة للمعاناة فهذا شيء يسير أمام أوجعنا التي استمرت 33 عاماً من حكم صالح .
وتابع بقوله : صغاري عندما يروني على السرير يطلبون منى الوقوف، ويسألونني متى أخرج معهم، ما يخفف شعور الألم وصعوبة الوضع، وأفتخر أننا قدمنا شيء للثورة ولليمن السعيد .
الجريح الشاب رافع حنيش يترك خطيبته التي أحبها منذ صغره
في حديثي للشاب "رافع حنيش" شعرت مدى معاناة الجريح عندما يفقد كل ما يحبه فـ "رافع" أصيب برصاص في الأجزاء السفلى لجسده وتسببت له بالكثير من المشاكل الصحية والجسدية وإعاقة ربما تستمر معه عمر طويل فقد ترك خطيبته التي أحبها منذ صغره لأنه لا يريد أن يربطها معه في رحله ألم طويلة قد تنتهي بلا شيء وتحطم حياتهما .
من جرحى الثورة .. إعاقات وعزيمة وأمل
ومثله الشاب "محمد مرتضى" الذي أصيب بإعاقة في رجليه يتوقف عليها كل مستقبله، ومع كل تلك المعاناة أصبح أكثر تصميم في انجاز الثورة والمضي في طريق النضال حتى لو ظل على كرسي متحرك .
ومثله "عصام محمد" الذي يسابق الجميع لحماية الثوار في المسيرات، قد يترك في زاوية مظلمة أو على مقعد متحرك في ظل ظروف مادية وأسرية صعبة، ومعاناة طويلة يعيشها أكثر معاقي الثورة .
جرحى ومعاقي الثورة اليمنية السلمية .. جراحٌ نازفة وصورةٌ تُجسد المعاناة الإنسانية بكل تفاصيلها، فلا تكفي التقارير ولا حتى لقاءات في الفضائيات، فالألم أكبر والحاجة أعظم والصورة أبلغ من مجرد الكلمات، يعيشون هذه الأثناء في مأساة إنسانية بمنازلهم وعلى أسررتهم في المستشفيات ،على معاناة عدد من الجرحى والمعاقين وغيرهم كثيرون آملا من الله تعالى لهم الشفاء العاجل، وأن يسمع الخيرين في المجتمع اليمني لأناتهم الصامتة خلف الجدران، وأن لا تضيع معاناتهم ودماءهم الزكية وسط الزحام والزخم الثوري والسياسي .
أعداد الشهداء والجرحى التي خلفت المئات من الأيتام والأرامل ومبتوري الأطراف مما يفاقم المأساة، حيث مارس بقايا النظام العائلي آلته في حربَ الإبادة باستخدامه الطائرات والصواريخ والقذائف على أبناء الشعب اليمني المسالم التي ذهب ضحيتها آلافُ المدنيين الأبرياء بشكل يومي حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية .. ولا زال حقدهم مستمر .
تتفحص وتتلمس أمور الجرحى ستجد معاناة تجر معها معاناة ولا شيء يجثم على صدورهم غير المعاناة والألم ...
432 مصاب بإعاقات دائمة
كشفت إحصائية حديثه صادرة عن المشفى الميداني في ساحة التغيير بصنعاء أن عدد المصابين بإعاقات دائمة يربو على 432 معاق منهم 300 إصابة في محافظه تعز.
ووفقا للإحصائية فان عدد المصابين بإعاقات جزئيه حتى الآن 432 حاله، تنوعت الاعاقات بين شلل نصفي ورباعي وإعاقة دائمة نتيجة الإصابة بإطلاق رصاص أو قذيفة استقرت في مناطق حساسة في العمود الفقري للدماغ .
ومن خلال زيارتنا للجرحى مع مؤسسه أسر الشهداء والجرحى رأينا المعاناة التي يتحملها المعاقين كما ذكرنا سابقا، لا يمكن وصفها وهذا الذي رأيته وشعرت به عندما وجدت العديد من الجرحى المعاقين والذين يعانون ألم وأحزان ومضاعفات أسريه وأخرى نفسيه رغم كل تلك الجروح والأوجاع إلا أن أكثرهم يحملون العزيمة والإرادة .
الشهيد الحي : جابر المندليق
وفي لقائنا بعدة جرحى ومنهم جريح جمعة الكرامة "جابر المندليق" كان بذلك الجسد النحيل ينتظر فحصه في المشفى الميداني بعد رحلة طويلة من العلاج والمعاناة .
يروي لنا جابر بعض معاناته حيث قال : ظللت ثلاثة أشهر وشهرين في السعودية على مغذيات وأدوية لا أحرك شيء من جسدي، وعندما رجعت إلى بيتي معاناة أخرى لا استطيع النوم لحاله التكهرب التي تصيبني، ولا استطيع ليالي كثيرة النوم، إضافة للترسبات التي لدي بسبب عدم التحرك .. أعيش على الأمل وإن شاء الله الشفاء، فانا خرجت على مبدءا وهدف ولن يخذلني الله أبدا، صحيح أن هناك معاناة طويلة ولكن ما خرجنا لأجله يستحق كل هذه التضحيات ... انتهى كلامه .
وكنت أراقب والده وهو ينظر إلى جابر بحنان وألم فطلبت منه الكلام فقال لي : ولدي جابر من أفضل أبنائي وأنشطهم حفظ القرآن ومضى يعلم الأطفال في القرى كتاب الله تعالى، وعندما بدأت الثورة السلمية انضم إليهم، ويوم المجزرة لم نصدق انه سيعيش لشده الإصابة التي كانت على جسده لدرجه أن الأطباء أطلقوا عليه لقب " الشهيد الحي" ، عانى جابر كثيرا من الألم والعلاج وذهب للسعودية لعمل عمليه ربط الأعصاب، والحمد لله تحسن قليلا وظل فترة شهران في المنزل يحرك بعض أجزاءه التي فقدت الحركة، والآن مستمرين في علاجه رغم الظروف الصعبة، فليس لجابر أي دخل مالي، وأملنا في أهل الخير كبير ..
طلبنا من جابر شرح ظروفه إلا أن الخجل منعه ولم يفتر في أن يحمد الله في كل وقت، وطلب إلينا أن نقول للشباب أن يصمدوا حتى يتحقق كل مطالب الشعب وأن يستمر الوفاء لدم الشهداء والجرحى .
انتقلنا إلى منزل "مصطفى العريفي" ذو 18 عاما والذي أصيب في مجزره الملعب برصاصه في رأسه أدى إلى شلل في أجزاء جسده، عندما شاهدته على السرير وبضحكته البريئة أرجعني شريط الذكريات وهو داخل غرفة العناية وهو بين الحياة والموت، كنت أجزم حينها أنه لن ترى عيناه النور ثانيه، فقد كان الموت أقرب له من الحياة .
سألته عن حاله فأجابني بضحكته تلك وقال بلسان مثقل : الحمد لله، قلت له : إن شفيت، قال : سأرجع إلى الساحة .
يقول أخيه محمد : عانى مصطفى كثيرا ولا يزال يعاني حتى إننا تركنا العمل وجلسنا بجانبه لأنه لا يستطيع الحركة، إضافة إلى ذلك معاناة الأسرة النفسية والمادية، ولكن نحمد الله أنه الآن يتحسن، ولو أن الأطباء يقولون أنه سيتحرك بصعوبة ويمارس حياته .
أمه والتي كانت تبكي بحرقه داخل غرفه العناية ولا تزال أثر دموعها إلى اليوم على وجنتيها وهي ترى فلذة كبدها مقعد على السرير، تقول باكيه : هذا قدر الله، ونسأل الله أن ينتقم لأبنائنا من رأس الفساد ورموز نظامه العائلي وأن نرى يوم يحاكم السفاح على جرائمه .
رمزي سيف منصر ... بين أربعة جدران
توجهنا إلى مشفى الكويت بصنعاء لرؤية الشاب "رمزي سيف منصر" عندما ولوجنا غرفته أصابتنا الدهشة والألم رأينا أن جسده المتيبس لا يتحرك غير أنفاس ضعيفة ونظرات معلقة في السقف لا يدرك ولا يشعر بشيء من بجواره، وقفت أمامه أحرك يدي أمام نظريه فلم يتحرك، سألته عن حالته فكان الصمت .
فقال لي أخوه المرافق له منذ شهور: لن يسمعك !! وهو هكذا منذ إصابته في تعز بشارع جمال، أطلق الحرس رصاص معدل على رأسه فتقطع جزء كبير من الدماغ، ومع هذا عاش وسيظل هكذا طول حياته نأمل بسفره للخارج ربما يستعيد بعض جسده المشلول" وأشار إلى مكان الإصابة فتسعة أعيينا ألما لقد كانت فتحته عميقة في رأسه وجزء من عظام الجمجمة لم يعد موجود .
يتابع أخوه : لنا هنا منذ شهور بجانبه نقلب جسده شبه الميت، وأمه تحترق في قريتنا لا تستطيع حتى رؤيته، والحالة المادية صعبه جدا حتى نفي بعلاجه وسفره، ولكن على الأقل نعيش بقليل من أمل على أن يتكلم ويتحرك ثانية، وأضاف ساخرا عن دولة الفساد التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة .
الشاب ابراهيم الرمادي .. معاناة وألم في المشفى
ودعنا رمزي مثقلين بهموم وأحزان، وتكررت نفس المعاناة مع الشاب "إبراهيم الرمادي" في مشفى العلوم لم أتبين ملامح إنسان تحت غطائه فقد اعتقدت لوهلة بعدم وجود جسد تحتها فقد ضمرت أطرافه ونحل جسده فرفع قريبه الغطاء فالتصقت أعيينا برأسه الذي كانت فيه نفس إصابة رمزي، هوة عميقة بالرأس أدت إلى الشلل، اقتربنا منه نحدثه وبمجرد ما شعر بشيء يلامس أصابعه امسك بطرف خماري فأسرع قريبه يمسك يديه بقوه كأنه يقول له نحن موجودون، كلمة واحدة كان يقولها عندما نسأله عن حاله، يقول : الحمد لله .
يقول قريبه : أصيب إبراهيم في مدينه صوفان برصاص معدل ظل فترة شهرين في العناية، والآن مشلول، لما رأته والدته ظلت ثلاثة أيام في غيبوبة من شده حزنها عليه، إبراهيم من أول الشباب المعتصمين في الساحة وكان يأمل أن لا يخرج منها حتى يرى نجاح الثورة ، لا يوجد لأسرته أي دخل مالي سوى العمل في الزراعة في منطقه نهم من قبل أخيه الأكبر ليوفر لهم القوت الضروري للحياة ، أما والده فرجل كبير .
وأضاف قريبه : وإبراهيم الآن عاجز ويحتاج إلى السفر للعلاج حتى تتحسن حالته ويستطيع على الأقل التحرك.
مره أخرى ودعنا إبراهيم وعيناه لا ترانا وتنظر نحو المجهول ...
المسن علي الخضمي .. مؤذن الجرحى
في نزولنا الثاني للجرحى المعاقين في المشفى الميداني والعلوم وجدنا شيخ الجرحى "على الخضمي" والذي أصيب في مذبحه القاع برصاص معدل تسببت في قطع رجله .
حديث طويل دار بيننا عن مجزره القاع وأحداثها المؤلمة، وعندما وقفنا لسؤاله عن شعوره وأسرته بهذه الإعاقة أحمرت عيناه بالدموع، وقال : هذا قدر الله، ونحن راضون به، حزن أهلي علي ولكن هذذا ثمن الحرية .
وعن حاله قال : كنت أبيع بعض العطور وأعمل قيم مسجد واصلي بالناس، وأثناء حديثنا رأيت مكبر صوتا بجانبه فسألته عنه، فقال لي : أنه يؤذن بالجرحى والمعاقين في كل صلاة وينتقلون بجروحهم المثخنة في صرح مسجد المشفى للصلاة قاعدين .
المسن عبده البحري : الجروح هي أوسمه على أجسادنا من أجل اليمن
وفي زاوية أخرى كان الشيخ المسن "عبده البحري" ممدا على ظهره يحرك يديه فقط ، سألته عن إصابته، فذكر لي أنه من ضحايا مجزره القاع، وأطلق "البلاطجة" النار عليه فأصابت عموده الفقري وأصابته بشلل نصفي .
وعن معاناته يقول : أخوتي اضطروا لترك أعمالهم والجلوس بجانبي وتقليبي على كل الجهات، و"الحمد لله على كل حال" فنحن ما خسرناه أكثر قبل الثورة من الكرامة والحرية، حتى حقوقنا أكلوها فأنا صاحب عربية أبيع فيها ما قسم الله، فلم أكن أسلم من ملحقات السلطات يوميا، وكل مرة يأخذون المال والعربات ويرموننا في الشارع ويصادرون حقوقنا، وهذه الجروح هي أوسمه على أجسادنا من اجل اليمن .
الجريح شرف الأهدل يسألوه صغاره متى يخرج معهم
جريح آخر "شرف الأهدل" وضع على جسده وسام الثورة كغيره ممن ضحوا بأرواحهم، عندما زرناه إلى منزله كان على سريره يلتصق به أحد أبنائه الصغار، قابلنا بنفس الروح الثورية التي يتحلى بها جرحى الثورة.
يقول : هذه الثورة قلبت الموازين وأعادت القيم والكرامة للشعب اليمني، وهذا ما خرجنا له وبالنسبة للمعاناة فهذا شيء يسير أمام أوجعنا التي استمرت 33 عاماً من حكم صالح .
وتابع بقوله : صغاري عندما يروني على السرير يطلبون منى الوقوف، ويسألونني متى أخرج معهم، ما يخفف شعور الألم وصعوبة الوضع، وأفتخر أننا قدمنا شيء للثورة ولليمن السعيد .
الجريح الشاب رافع حنيش يترك خطيبته التي أحبها منذ صغره
في حديثي للشاب "رافع حنيش" شعرت مدى معاناة الجريح عندما يفقد كل ما يحبه فـ "رافع" أصيب برصاص في الأجزاء السفلى لجسده وتسببت له بالكثير من المشاكل الصحية والجسدية وإعاقة ربما تستمر معه عمر طويل فقد ترك خطيبته التي أحبها منذ صغره لأنه لا يريد أن يربطها معه في رحله ألم طويلة قد تنتهي بلا شيء وتحطم حياتهما .
من جرحى الثورة .. إعاقات وعزيمة وأمل
ومثله الشاب "محمد مرتضى" الذي أصيب بإعاقة في رجليه يتوقف عليها كل مستقبله، ومع كل تلك المعاناة أصبح أكثر تصميم في انجاز الثورة والمضي في طريق النضال حتى لو ظل على كرسي متحرك .
ومثله "عصام محمد" الذي يسابق الجميع لحماية الثوار في المسيرات، قد يترك في زاوية مظلمة أو على مقعد متحرك في ظل ظروف مادية وأسرية صعبة، ومعاناة طويلة يعيشها أكثر معاقي الثورة .