21 ديسمبر 2011م
تحليل:
سوف تضطر الحكومة اليمنية الجديدة، المنبثقة مؤخراً عن توقيع اتفاق انتقال السلطة الذي أبرم بوساطة مجلس التعاون الخليجي، والذي ينص على تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن السلطة في 21 فبراير، إلى التصدي لمشاكل عديدة رغم محدودية مواردها.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء اليمني المكلف، محمد سالم باسندوة، خلال الاجتماع الأول لمجلس الوزراء يوم 11 ديسمبر، أن المهمة الماثلة أمام حكومته كبيرة ومواردها قليلة، وهي بحاجة للعمل ليل ونهار لإنجاز المهمة الملقاة على عاتقها.
من جهته، أفاد محمد محمد صلاح، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة، أن اقتصاد البلاد الهش فقد حوالي 17 مليار دولار أمريكي منذ بدء الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد في فبراير 2011. وهو ما جعل مطهر السعيدي، الخبير الاقتصادي في جامعة صنعاء، يؤكد أن اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات الدولية، إذ "سيكون من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، على الحكومة الجديدة تحقيق تقدم من دون دعم المجتمع الدولي".
وتأتي استعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وحل مشكلة نقص الوقود على رأس أولويات الحكومة الجديدة. وهو ما علق عليه علي سالم علوان، المستشار السابق لوزير الكهرباء والطاقة، بقوله أن "الوزارة أفلت بسبب رفض الغالبية العظمى من المواطنين دفع فواتير الكهرباء منذ بدء الاحتجاجات. مما يجعل الوزارة تواجه صعوبة متزايدة في تمويل عمليات إصلاح الشبكة الوطنية المصابة بأضرار بالغة".
من جهته، أشار محمد الميتمي، وهو خبير اقتصادي آخر من جامعة صنعاء، إلى أن اليمن يحتاج حالياً لحوالي 15 مليار دولار أمريكي لتمويل ميزانية الحكومة للسنة المقبلة، مضيفاً أنه "بدون المساعدات الدولية، لن يكتب لليمن البقاء".
وكانت الأمم المتحدة قد وجهت نداءً في 14 ديسمبر لجمع 447 مليون دولار للمساعدة في التصدي للتحديات التنموية والانسانية المتزايدة والبالغة الخطورة في اليمن، والتي تشمل سوء التغذية الذي تجاوزت مستوياته عتبة الطوارئ بكثير.
وحذرت وثيقة النداء من أن "عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في اليمن قد ارتفع إلى أكثر من 2 مليون نسمة في الأشهر الأخيرة. كما يعاني نحو 466,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، في الوقت الذي تضاعف فيه عدد [النازحين داخلياً] تقريباً منذ عام 2010".
المتظاهرون الشباب
وعلى الرغم من التوقيع على اتفاق انتقال السلطة وتشكيل حكومة جديدة، لا زال المتظاهرون الشباب يقيمون في مخيمات في عدة مدن، معربين عن اعتراضهم على أية حصانة من الملاحقة القضائية لصالح وأقاربه على النحو المنصوص عليه في اتفاق انتقال السلطة.
وكان الآلاف قد تظاهروا يوم 12 ديسمبر في مدينة تعز التي تعد إحدى بؤر الصراع، مطالبين بمحاكمة صالح ومرددين هتاف "لا حصانة للقتلة". وقد علق محمد العماد، وهو أحد زعماء المحتجين في صنعاء، على الموضوع بقوله: "سنبقى هنا حتى تتم تنحية صالح وأقاربه من السلطة ومحاكمته أمام أعيننا... لقد قتلوا عدة مئات من المتظاهرين... ورملوا النساء ويتموا الأطفال".
ووفقاً للاتفاق الذي تم بوساطة مجلس التعاون الخليجي، تتمثل إحدى وظائف الحكومة الجديدة في التفاوض مع المحتجين وإقناعهم بالعودة إلى ديارهم، ولكن الناشطين الشباب غير مستعدين للرحيل بعد.
وأكد أحمد الفقيه، وهو أحد قادة المحتجين في مدينة ذمار التي تبعد بحوالي 100 كيلومتر جنوب صنعاء، أن "هذه الأحزاب [المعارضة] باعت القضية... لقد توصلت إلى اتفاق مع القتلة... نحن لن نتفاوض معهم... وسنواصل الاحتجاج حتى تتم تلبية جميع مطالبنا".
ويرى المراقبون أن الأحزاب السياسية ارتكبت خطأ باستثناء الناشطين الشباب من الصفقة التي تمت بوساطة مجلس التعاون الخليجي.
من جهته، يرى الكاتب الصحفي حيدر ناصر الجحماء، من مدينة عدن الجنوبية، أن الشباب كانوا قوة الدفع الرئيسية وراء اتفاق انتقال السلطة. "ولن ينجح مجلس الوزراء ما لم يسمح لهم بلعب دور كبير في عملية انتقال السلطة".
القوات المسلحة وقوات الأمن
تتمثل إحدى المهام التي تواجه الحكومة الجديدة في إعادة هيكلة الجيش وقوات الأمن المنقسمة، والتي لا يزال أقارب صالح يسيطرون على المناصب العليا فيها.
ويفترض أن تضطلع لجنة عسكرية مكونة من 14 عضواً، شكلها أنصار الرئيس صالح والمعارضة معاً، بهذه المهمة تحت إشراف مجلس الوزراء، ولكن المحللين يعتقدون أن صالح سوف يقاوم طرد إبنه وأبناء إخوته الثلاثة من المراكز الحساسة في الجيش وقوات الأمن. وهو ما علق عليه عبد الحميد عامر، رئيس جمعية الأخوة والسلام الاجتماعي، وهي منظمة غير حكومية محلية في محافظة الجوف الشمالية، بقوله أن "صالح يخطط للبقاء كزعيم سياسي رئيسي في حزبه. ومن غير المرجح أن يقبل إبعاد جميع أقاربه من مناصبهم".
من جهته، أفاد المحلل السياسي محمد عزان، وهو أيضاً أستاذ قانون في جامعة الحديدة، أن هذه المسألة هي إحدى أكثر القضايا حساسية، حيث أن "الجيش هو الذي كان يدير البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية، وليس الحكومة... ومن المرجح أن تشهد عملية إعادة هيكلة الجيش أشد الاختلافات، إن لم يصل الأمر إلى حد الصدام بين أعضاء مجلس الوزراء من كلا الجانبين [الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة]".
مهمة شاقة
ستواجه الحكومة الجديدة أيضاً مهمة شاقة تتمثل في تخفيف حدة التوتر في الجنوب. حيث أفاد أحمد الزقارة، وهو عضو في شبكة رصد الانتخابات اليمنية، وهي منظمة غير حكومية محلية، أن تحسين الظروف المعيشية في المحافظات الجنوبية، وتوفير فرص العمل في المستقبل القريب هو الحل. "ومع ذلك، أعتقد أن هذه المهمة تتجاوز قدرات الحكومة الجديدة بسبب نقص التمويل".
وبالإضافة إلى ذلك، هناك 100,000 نازح غادروا ديارهم بسبب القتال بين الحكومة وجماعات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة.
كما أن الصراع المستمر في الشمال، حيث يسعى المتمردون الشيعة بقيادة الحوثي للحصول على حكم ذاتي، مما تسبب في بقاء مئات الآلاف من المدنيين نازحين أو معتمدين على المساعدات، سيمثل مشكلة أخرى تواجه الحكومة.
وحسب عبد الرحمن المرواني، رئيس مجلس إدارة دار السلام، وهي منظمة غير حكومية محلية، يعارض الحوثيون الاتفاق الذي أبرم بوساطة مجلس التعاون الخليجي بسبب توقيع صالح عليه في المملكة العربية السعودية، وهذا من شأنه أن يشكل "عقبة أمام أية مفاوضات محتملة بين الحكومة والمتشددين".